القصبي والخطيب- حكم قضائي لا يردع التشهير؟
المؤلف: أحمد عجب08.16.2025

تناقلت وسائل الإعلام المتنوعة، من صحف يومية وقنوات تلفزيونية، في بداية هذا الأسبوع خبراً ذا أهمية: وهو صدور حكم قضائي يقضي بسجن إمام مسجد في منطقة عسير لمدة خمسة وأربعين يوماً، وذلك لإدانته بتهمة السب والقذف والتشهير بالفنان ناصر القصبي. وقد جاءت الإدانة على خلفية إطلاق الإمام أوصافاً غير لائقة بحق القصبي، كنعته بـ"الزنديق" و"الكافر"، بالإضافة إلى استخدام كلمات مسيئة تنطوي على بعد أخلاقي مشين. وقد سلط الإعلام الضوء على أول رد فعل وتصريح للفنان الكوميدي حول هذا الحكم، حيث صرح قائلاً: "هي خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح، خاصة في هذه الفترة الزمنية بالتحديد". في المقابل، اكتفى إمام المسجد بنفي استلامه أو حتى علمه بوجود أي حكم قضائي يدينه في هذه القضية.
قد يعترض البعض قائلين: إن الفنان شخصية عامة ومعروفة، ومن الطبيعي أن يتعرض عمله الفني للنقد والتحليل. وهذا الأمر في جوهره صحيح، بل إن صناع أي عمل فني يقيسون مدى نجاحه وتأثيره من خلال حجم ردود الفعل التي يثيرها، سواء كانت ردود فعل إيجابية ومؤيدة أو حتى غاضبة ومعارضة. بيد أن المشكلة في هذه القضية لا تكمن في النقد الفني، وإنما تكمن في السياق والمقام الذي أُطلق فيه ذلك الهجوم، وفي العبارات المسيئة والشائنة التي تضمنها، والتي يصل بعضها إلى حد القذف الصريح والتشهير الفاضح، والبعض الآخر قد يخرج قائلها من دائرة الإسلام. فالمنبر، استناداً إلى وثيقة المساجد الصادرة عن وزارة الشؤون الإسلامية، يجب أن يقتصر استخدامه في الخطبة على الوعظ والإرشاد والتوجيه، والابتعاد التام عن الخوض في المسائل العصبية أو الحزبية أو التعرض للأشخاص، سواء بالتصريح الواضح أو بالتلميح الخفي.
لا يمكنني الجزم بالطلبات التي أوردها الفنان ناصر القصبي في لائحة دعواه، ولا أعلم ما إذا كان الحكم القضائي قد حقق له بعضاً من هذه الطلبات أم لم يحقق له شيئاً على الإطلاق! ولكن ما أعرفه بحكم خبرتي وتجربتي في مثل هذه القضايا، أن المدعي يحرص كل الحرص على المطالبة بالقيام الفوري والعاجل بكل ما من شأنه الحفاظ على سلامته الشخصية، وخاصة عندما يتضمن الهجوم عليه تحريضاً للآخرين ضده وتأليباً للرأي العام. ثم يطالب المدعي بتوقيع أقصى العقوبات النظامية المنصوص عليها في القانون، سواء كانت هذه العقوبات عبارة عن الفصل من الوظيفة أو غرامة مالية باهظة. وبعد ذلك، تأتي المطالبة بتعويض مادي كبير ومناسب، وذلك لقاء ما تضمنه البيان أو التصريح من إساءة بالغة وتشويه لسمعة المدعي والإضرار بمكانته الاجتماعية. وفي نهاية عريضة الدعوى، يتم التشديد على ضرورة إلزام المعتدي بتقديم اعتذار رسمي وعلني في نفس المكان الذي تم فيه الهجوم، وبنفس المدة الزمنية التي استغرقها ذلك الهجوم.
أتذكر جيداً أنه في أحد الأيام، زارني في مكتبي مدعي كان طرفاً في قضية تشهير إعلامي ضد موكلتي. كان هذا الرجل قد تجاوز السبعين من عمره. وما أن استقر به الجلوس حتى بادرته قائلاً: "نعم، نحن خصوم في المحكمة، ولكن أخلاق المهنة تفرض علي أن أهنئك بكسبك القضية". عندها قاطعني الرجل بغضب شديد وقال: "أنت محامٍ مخادع ومراوغ، وأنا لم آتِ اليوم لتضحك علي بكلامك المعسول والمنمق. أنا جئت لأبلغ موكلتك رسالة مفادها أن تراعي الله وتتقيه في تعاملها معي، لأن الحكم الذي صدر في القضية يعتبر إهانة بالغة لي. فكرامتي التي أهدرت، ومصاريف السفر الباهظة، والجهود المضنية التي بذلتها لمتابعة الدعوى لمدة سنتين كاملتين، لا يمكن أن يعوضها أو يجبر ضررها حكم قضائي يقضي لي بتعويض مالي زهيد لا يتجاوز عشرة آلاف ريال!".
الحكم الذي صدر في قضية الفنان ناصر القصبي، استغرق هو الآخر مدة طويلة تقدر بسنة ونصف تقريباً. والمدة التي تضمنها الحكم بالسجن لا تتجاوز في الواقع مدة الإيقاف الاحتياطي على ذمة التحقيق. بل ويمكن للمحكوم عليه أن يستفيد من العفو الملكي، وبالتالي يتم الإفراج عنه بعد قضائه نصف المدة فقط، خاصة وأنه حافظ لكتاب الله العزيز ومشهود له بالخلق الحسن والسمعة الطيبة. هذا الحكم أيضاً لا يمكن وصفه بالحكم الرادع، بل قد يكون حافزاً ومشجعاً للآخرين لتكرار نفس الأفعال والتصرفات. والأغرب من هذا كله، أن المقطع الذي تضمن الخطبة المسيئة لم يتم حذفه أو إزالته من موقع "اليوتيوب"، وهو ما سيدفع الآلاف من الناس إلى البحث عنه وإعادة سماع نفس الخطبة، وبالتالي إعادة انتشارها وتداولها على نطاق واسع. فهل يصح بعد هذا كله أن يقال بأن الفنان ناصر القصبي قد كسب القضية وحقق الانتصار؟!
قد يعترض البعض قائلين: إن الفنان شخصية عامة ومعروفة، ومن الطبيعي أن يتعرض عمله الفني للنقد والتحليل. وهذا الأمر في جوهره صحيح، بل إن صناع أي عمل فني يقيسون مدى نجاحه وتأثيره من خلال حجم ردود الفعل التي يثيرها، سواء كانت ردود فعل إيجابية ومؤيدة أو حتى غاضبة ومعارضة. بيد أن المشكلة في هذه القضية لا تكمن في النقد الفني، وإنما تكمن في السياق والمقام الذي أُطلق فيه ذلك الهجوم، وفي العبارات المسيئة والشائنة التي تضمنها، والتي يصل بعضها إلى حد القذف الصريح والتشهير الفاضح، والبعض الآخر قد يخرج قائلها من دائرة الإسلام. فالمنبر، استناداً إلى وثيقة المساجد الصادرة عن وزارة الشؤون الإسلامية، يجب أن يقتصر استخدامه في الخطبة على الوعظ والإرشاد والتوجيه، والابتعاد التام عن الخوض في المسائل العصبية أو الحزبية أو التعرض للأشخاص، سواء بالتصريح الواضح أو بالتلميح الخفي.
لا يمكنني الجزم بالطلبات التي أوردها الفنان ناصر القصبي في لائحة دعواه، ولا أعلم ما إذا كان الحكم القضائي قد حقق له بعضاً من هذه الطلبات أم لم يحقق له شيئاً على الإطلاق! ولكن ما أعرفه بحكم خبرتي وتجربتي في مثل هذه القضايا، أن المدعي يحرص كل الحرص على المطالبة بالقيام الفوري والعاجل بكل ما من شأنه الحفاظ على سلامته الشخصية، وخاصة عندما يتضمن الهجوم عليه تحريضاً للآخرين ضده وتأليباً للرأي العام. ثم يطالب المدعي بتوقيع أقصى العقوبات النظامية المنصوص عليها في القانون، سواء كانت هذه العقوبات عبارة عن الفصل من الوظيفة أو غرامة مالية باهظة. وبعد ذلك، تأتي المطالبة بتعويض مادي كبير ومناسب، وذلك لقاء ما تضمنه البيان أو التصريح من إساءة بالغة وتشويه لسمعة المدعي والإضرار بمكانته الاجتماعية. وفي نهاية عريضة الدعوى، يتم التشديد على ضرورة إلزام المعتدي بتقديم اعتذار رسمي وعلني في نفس المكان الذي تم فيه الهجوم، وبنفس المدة الزمنية التي استغرقها ذلك الهجوم.
أتذكر جيداً أنه في أحد الأيام، زارني في مكتبي مدعي كان طرفاً في قضية تشهير إعلامي ضد موكلتي. كان هذا الرجل قد تجاوز السبعين من عمره. وما أن استقر به الجلوس حتى بادرته قائلاً: "نعم، نحن خصوم في المحكمة، ولكن أخلاق المهنة تفرض علي أن أهنئك بكسبك القضية". عندها قاطعني الرجل بغضب شديد وقال: "أنت محامٍ مخادع ومراوغ، وأنا لم آتِ اليوم لتضحك علي بكلامك المعسول والمنمق. أنا جئت لأبلغ موكلتك رسالة مفادها أن تراعي الله وتتقيه في تعاملها معي، لأن الحكم الذي صدر في القضية يعتبر إهانة بالغة لي. فكرامتي التي أهدرت، ومصاريف السفر الباهظة، والجهود المضنية التي بذلتها لمتابعة الدعوى لمدة سنتين كاملتين، لا يمكن أن يعوضها أو يجبر ضررها حكم قضائي يقضي لي بتعويض مالي زهيد لا يتجاوز عشرة آلاف ريال!".
الحكم الذي صدر في قضية الفنان ناصر القصبي، استغرق هو الآخر مدة طويلة تقدر بسنة ونصف تقريباً. والمدة التي تضمنها الحكم بالسجن لا تتجاوز في الواقع مدة الإيقاف الاحتياطي على ذمة التحقيق. بل ويمكن للمحكوم عليه أن يستفيد من العفو الملكي، وبالتالي يتم الإفراج عنه بعد قضائه نصف المدة فقط، خاصة وأنه حافظ لكتاب الله العزيز ومشهود له بالخلق الحسن والسمعة الطيبة. هذا الحكم أيضاً لا يمكن وصفه بالحكم الرادع، بل قد يكون حافزاً ومشجعاً للآخرين لتكرار نفس الأفعال والتصرفات. والأغرب من هذا كله، أن المقطع الذي تضمن الخطبة المسيئة لم يتم حذفه أو إزالته من موقع "اليوتيوب"، وهو ما سيدفع الآلاف من الناس إلى البحث عنه وإعادة سماع نفس الخطبة، وبالتالي إعادة انتشارها وتداولها على نطاق واسع. فهل يصح بعد هذا كله أن يقال بأن الفنان ناصر القصبي قد كسب القضية وحقق الانتصار؟!